في بدايات الطريق المهني، يسود الاعتقاد أن القائد هو من يشق طريقه وحده، وأن النجاح يعني الاعتماد الكامل على الذات.
لكن الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون هي أن أعظم القادة وأكثرهم تأثيرًا في التاريخ لم يصلوا وحدهم.
خلف كل قائدٍ عظيم، يوجد موجّهٌ صادق ساعده أن يرى ما لم يكن يراه في نفسه، وأن يتخذ قراراته بثقة واتزان.
القائد الذي يطلب التوجيه… أذكى لا أضعف
المرشد ليس من يقودك، بل من يعينك على أن تقود نفسك بوعيٍ أكبر.
القادة الحقيقيون يدركون أن التعلم لا يتوقف عند لقبٍ أو منصب، وأن طلب المشورة هو سلوك القائد الناضج لا التابع الضعيف.
فهم لا يبحثون عن من يقرّر عنهم، بل عن من يوسّع أفقهم ويمنحهم زوايا جديدة للتفكير.
نماذج من القادة الذين لم يسيروا وحدهم
1. مارك زوكربيرغ وستيف جوبز
في ذروة بناء “فيسبوك”، واجه زوكربيرغ مرحلة من الضياع والتردد، فالتقى بستيف جوبز طلبًا للنصيحة.
أخبره جوبز أن يعود إلى جوهر الرسالة التي أسّس من أجلها شركته، لا إلى ضجيج الأرقام أو المستثمرين.
تلك النصيحة البسيطة أعادت له البوصلة، وكان دائمًا يقول: “لقد ساعدني ستيف على رؤية ما هو أهم من العمل نفسه.”
2. بيل غيتس ووارن بافيت
وراء هدوء بيل غيتس واتزانه، كان هناك موجّهٌ حكيم: وارن بافيت.
تعلّم منه الصبر في اتخاذ القرار، وأن لا يُقاس النجاح بسرعة الإنجاز بل بعمق الأثر.
كتب غيتس ذات مرة: “تغيّرت حياتي منذ اليوم الذي التقيت فيه وارن، علّمني أن أعظم استثمار يمكن أن تقوم به هو في نفسك.”
3. نيلسون مانديلا ووالتر سيسولو
في سجون جنوب أفريقيا، لم يكن مانديلا القائد الوحيد، بل كان تلميذًا لصديقٍ ومعلمٍ اسمه والتر سيسولو.
هو من علّمه كيف يقود بالهدوء لا بالغضب، وكيف تكون الكلمة أداة تحرر لا انتقام.
قال مانديلا لاحقًا: “من والتر تعلّمت أن القائد لا يُقاس بما يقوله الناس عنه، بل بما يتركه في نفوسهم.”
4. أوبرا وينفري ومـايـا أنجلو
قبل أن تصبح أوبرا واحدة من أقوى النساء في الإعلام، كانت فتاةً تبحث عن ذاتها في عالمٍ قاسٍ.
وجدت في الشاعرة والكاتبة الأمريكية مايا أنجلو مرشدتها الأولى.
كانت تقول عنها: “مايا لم تغيّر طريقي فقط، بل علّمتني كيف أرى نفسي بعيونٍ أكثر رحمة.”
رسالة إلى الخريجين
في بداياتكم المهنية، لا تسعوا لأن تكونوا “الأقوى” وحدكم.
ابحثوا عمّن يلهمكم، ويؤمن بكم، ويُصوّب نظرتكم للحياة والمهنة.
قد يكون هذا الشخص أستاذًا، أو مديرًا، أو حتى زميلًا يرى فيكم ما لم تروه أنتم بعد.
التوجيه ليس رفاهية، بل وقود النمو.
القائد الذي لا يتعلّم من أحد، يتوقّف عن التقدّم،
أما الذي يفتح قلبه للعِلم والإرشاد، فيكبر بصمتٍ حتى يصبح هو نفسه موجّهًا لغيره يومًا ما.
ختامًا القادة لا يُولدون جاهزين، بل يُصقلون بالمواقف… ويُرشدون بالعقول التي سبقتهم.
ابحث عن مرشدٍ، لا لتتبعه، بل لتتعلّم منه كيف تتبع ذاتك بوعيٍ أكبر.
فكل عظيمٍ كان يومًا ما متعلّمًا… وكل متعلّمٍ مخلصٍ، هو قائدٌ قادم.