شعور التأجيل المرهق ليس غريب على معظم الناس. كثير ما نجد أنفسنا نؤجل المهام حتى اللحظات الأخيرة، ثم نلوم أنفسنا ونغرق في القلق. في الواقع، ما يقارب نصف المجتمع يعاني من التسويف المستمر. ومن المهم أن ندرك أن التسويف ليس دليل على الكسل أو ضعف الإرادة كما يُشاع؛ تشير الدراسات انه يرتبط بحالات نفسية مثل القلق والاكتئاب وتدني تقدير الذات . أي أن المشكلة أعمق من مجرد عدم تنظيم الوقت.
الأسباب النفسية والواقعية للتسويف
ورّط نفسك بالفعل، خطوة صغيرة كفيلة بالتغيير
بعد فهم هذه الأسباب، قد يتهيأ لنا أن الحل هو وضع خطة محكمة للتخلص منها دفعة واحدة. لكن الحقيقة أن العلاج أحيانًا أبسط مما نعتقد. بدلًا من انتظار الدافعية أو الظروف المثالية، جرّب أن تورّط نفسك بالفعل: ابدأ بخطوة صغيرة الآن، قبل أن تسمح لمخاوفك بإيقافك. ويرى خبراء علم النفس أن الدافعية تأتي بعد البدء بالفعل. وقد عبّر الباحث المتخصص في شأن التسويف تيموثي بيشل عن هذه الفكرة بقوله: “الدافعية تتبع الفعل. ابدأ فقط، وستجد أن الحافز يأتي لاحقًا” . بمعنى آخر, بمجرد أن تبدأ المهمة ولو بجزء بسيط جدًا منها، ستلاحظ أن القلق بدأ يتلاشى تدريجيًا وأن رغبتك في المواصلة تزداد.
على سبيل المثال، إن كانت لديك مهمة كتابية طويلة تهاب البدء في إنجازها, افتح الملف واكتب أي جملة كتمهيد، حتى لو كانت بسيطة أو غير مثالية. هذه الحركة البسيطة تورّطك في المهمة وتجعلها واقعًا بدل أن تبقى فكرة مرهِقة في ذهنك . ستجد أنك بعد بضع دقائق من الكتابة – أو أيًا كان نوع العمل – بدأت تشعر بمزيد من السيطرة والارتياح، وربما تكتشف أن المهمة ليست بالصعوبة التي تصوّرتها في البداية.
التسويف تجربة شائعة، خاصة في سن الشباب حيث تتلاقى الطموحات الكبيرة مع المخاوف العميقة، فلا غرابة أن نشعر أحيانًا بالضياع بين رغبتنا في الإنجاز وخوفنا من الإخفاق. المهم هو أن نكون صادقين مع أنفسنا في فهم سبب تأجيلنا للأمور، دون جلد للذات. لسنا آلات إنتاج دائمة، وجميعنا يمر بلحظات ضعف.
لكن في تلك اللحظات، يمكن لخطوة صغيرة صادقة أن تكسر الحلقة المفرغة. ليس المطلوب أن نتخلص من كل مخاوفنا دفعة واحدة، بل أن نبدأ رغم وجودها. ومع كل تجربة نجاح صغيرة إثر بدء مهمة كنا نؤجلها، سنبني الثقة بأنفسنا ونخفف من سطوة التسويف شيئًا فشيئًا.
في النهاية، يذكّرنا التسويف بأننا بشر نسعى ونتعثر ثم ننهض. هو دعوة للتأمل في دوافعنا وفي نفس الوقت للتصرف بواقعية: أن نعترف بمخاوفنا وضغوطنا، ثم نختار خطوة واحدة الآن تقرّبنا مما نود إنجازه. هذه الخطوة البسيطة قد تكون مفتاح الخروج من مأزق التأجيل والبدء بالإنجاز.